السبت، 23 سبتمبر 2017

الثورة المهدية من أبــا إلى الخرطوم (حلقة2)

الثورة المهدية من أبــا إلى الخرطوم
(حلقة 2)
مصعب المشرّف
23 سبتمبر 2017م
تناولت الحلقة الأولى واقع أن علاقة (تبعية) السودان السياسية والإدارية لمصر إنما نشأت بسبب الإحتلال العسكري الذي بدأ بالغزو عام 1821م وانتهى في يناير عام 1885م.... وأن معركة الجزيرة أبا كانت باكورة ثورة وطنية ظلت تغلي داخل المرجل . وبالتالي فقد خلصت إلى أن تلك المعركة لم تكن مصادفة أو ضربة حظ ؛ بقدر ما أنها خلاصة لأفكار وطنية طبقها الإمام المهدي على نفسه قبل أن يطالب بها غيره .. ودعم أفكاره تلك بتخطيط وجهد وتنسيق .... ودعوة سرية إستمرت طوال سنوات جاب خلالها العديد من المناطق الحيوية ... والتقى بالكثير من زعماء القبائل والطرق الصوفية......

ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن الإمام المهدي لم يكن وقتها (حين أعلن الثورة) ... لم يكن المهدي شخصية خاملة الذكر مجهولة لدى أهل البلاد أو حتى لدى سلطات الإحتلال في الخرطوم والمراكز الإدارية والعسكرية ...
كان الإمام المهدي حينها شيخاً من شيوخ الطريقة السمانية .. وقد وصفه مامور مركز الكَوّة  حين ذهب إليه أستاذه وغريمه فيما بعد (الخليفة محمد شريف) يشكوه ويطلب إعتقاله عام 1878م .... وصفه المامور ذاك بقوله : "أنه ولي من أولياء الله الصالحين . ومن أصحاب الحضرة النبوية الشريفة’"
وكذلك كان حكمدار السودان وقتها "محمد رؤوف باشا" يعرفه حق المعرفة . ويحترم فيه سمعته وولايته الصالحة ، وبوصفه أحد أعمدة ومشايخ الطرق الصوفية . فكان أن تعامل معه بالتقدير والإحترام حتى آخر لحظة .. وهذا الإستنتاج مستقى من خلال نصوص وقراءة ما بين السطور في الرسائل المتبادلة بينهما على قلتها.
وأما تلك الإنتقادات المفلسة المجتزأة التي صدرت وقتها من شيوخ وعلماء الأزهر الشريف في مصر .. وبعض تلامذتهم في الخرطوم لجهة إنكار المهدية تارة والأمر بطاعة ولي الأمر تارة أخرى . فإنما جاءت لأسباب سياسية أكثر منها فقهية . وحيث لا يجوز أن نطلق على "سلطات إحتلال" مسمى ولاة أمر.

ومن الضرورة بمكان أن نعنى هنا بتوثيق أن بقاء هذه الدعوة المهدية سرية طوال سنوات بين بعض طلاب الخلاوي وعدد من زعماء الطرق الصوفية ومريديها . بالإضافة إلى زعماء بعض القبائل ؛ دون أن تتمكن أجهزة إستخبارات الإحتلال الخديوي المصري من ملاحظتها وتداركها في بدايتها ؛ إنما تبقى دلبلاً ساطعاً على مدى إتساع الفجوة التي كانت تفصل بين المواطنين وسلطات الإحتلال .. وحرص السودانيين على الإحتفاظ بهويتهم الخاصة بهم . وليس كما تزعم وتدعي الأدبيات المصرية الشعبية وأبواق حكوماتهم الدعائية بأن الشعبين واحد . وأن السودان كان تبعاً لمصر وجزءاً منها. 

في هذه الحلقة (وأخريات تليها) نرصد جانباً من سيرة الإمام محمد أحمد المهدي الذاتية ؛ بما يسلط الضوء على أهمية "القدوة الحسنة" التي ينبغي على القائد تمثيلها في أعين شعبه ... مع التطرق إلى "المسيد" و "الخلوة" ؟ ودورهما الجوهري في الثورة المهدية . وبما يؤكد (الحقيقة الغائبة) بأن نشأة الدعوة المهدية في بربر .. وبروز ملامحها في الجزيرة .. ونضوجها وإعلانها من أبا وقيادتها من الأبيض نحو تحرير العاصمة الخرطوم ؛ إنما جاءت على أكتاف طلاب الخلوة ، وأتباع ومريدي الطرق الصوفية ... والذين كانوا في ذلك الحين خلاصة الصفوة والنخب المتعلمة ... ولا يزالون حتى يومنا هذا الوحيدون الذين يحفظون القرآن الكريم في الصدور . ويحافظون على عصب اللغة العربية الفصحى في البلاد ... وبما ينفي ذلك جميع تلك المزاعم التي ألصقها فيهم الأحتلال الأجنبي بالدروشة على سبيل الحقد والكيد.


ولد الإمام المهدي عام 1843م في جزيرة لبب بضواحي مدينة دنقلا ، شمال السودان . وهو محمد أحمد عبد الله فحل عبد الولي.
كان والده عبد الله فحل يعمل في مهنة صناعة المراكب النيلية الخشبية الشراعية. وكذلك السواقي المخصصة للري من على ضفاف الأنهار والنيل.
في الوقت الذي توجه فيه أشقاؤه للعمل الإحترافي في مهنة والدهم . فقد مالت نفس الإمام المهدي إلى النهل النظامي من اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
وقد قيل أن نفس المهدي التواقة إلى نهل العلم . إنما كانت نزعة ورثها من جده الكبير "حاج شريف" ؛ الذي أشتهر بالتقوى والصلاح في منطقة دنقلا.
ويبدو أن صناعة المراكب في منطقة دنقلا لم تعد تفي بحاجة الأسرة وتغطية منصرفاتها المتنامية . فإنتقل والده وفي معيته الأسرة إلى الخرطوم . حيث واصلت الأسرة عملها في صناعة المراكب والسواقي شمال أمدرمان . وهناك إلتحق محمد أحمد المهدي بالدراسة في "الخلوة" التي كانت ولا تزال بمثابة الأساس في تدريس العلوم الإسلامية ، وضروب اللغة العربية من نحو وصرف وشعر وبلاغة ونثر .. إلخ . بالإضافة إلى التاريخ والجغرافيا والرياضيات ... وما يرتبط بالدين والمعاش من إلمام بمواقيت الصلاة وحساب الشهور والسنين وتحديد الإتجاهات ... وجانبا من علوم الفلك... وحرص على إلصاق الطالب والمريد بالبيئة السودانية المحلية ، وتوجيهه إلى إكتشاف صداقتها وتحرّي أمومتها له ... وقدرتها على خدمته وتلبية إحتياجاته الأساسية الضرورية.
وجميع تلك القيم والمعارف ، يتم تعليمها للطالب وغرسها في أعماق وجدانه منذ نعومة أظفاره ؛ دون ربطها بنظام سياسي وأطماع إلى كراسي الحكم.
تدرج الإمام المهدي في مجال التأهيل الدراسي العلمي بمقاييس تلك الفترة. ورصدته كتب التاريخ على النحو الآتي:
1)   بدأ حفظ القرآن الكريم في خلاوي كرري والخرطوم.
2) درس علوم الفقه على يد الشيخ الأمين الصويلح ، في مسجد ود عيسى الذي يقع في منطقة "المسيد" الحالية جنوب الخرطوم ، على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق.
3) درس مباديء النحو والتوحيد ، والفقه والتصوف في خلوة الشيخ محمد الخير بأرض الغبش نواحي بربر.

في خلوة الشيخ محمد الخير بدأت ملامح نضوج شخصية الأمام المهدي القيادية الملهمة للغير تتضح وتتشكل. وفيها أيضاً بدأت نزعاته السياسية تتكون . ولكن برؤى وأفكار ووسائل جديدة متعددة ، أسهمت فيها قيم ومثل وتعاليم الخلوة بالقدر الأكبر .... فخرجت فكرة الدعوة تستند على أسس ثابتة مبدئية هي:

1) إحتفائه بالييئة المحلية السودانية. وقناعته من خلال تجربته العملية بأنها الأقدر على تلبية متطلبات أبنائها وصيانة كرامتهم . وتبقى الركن الأساس والمعين الذي لا ينضب في بناء الأمة.

2) ضرورة تحرير السودان من الحكم الأجنبي . وإنفراد السوداني بحكم بلاده... وهو ما عرف لاحقاً بمصطلح (السودان للسودانيين).

3)   إعلاء شأن الدين الإسلامي في النفوس.

4) التحلل من العنصرية والقبلية ؛ بما يمكن معه مزج أهل السودان في بوتقة واحدة.
  
من أبرز ما أظهره المهدي في خلوة الشيخ محمد الخير ؛ هو إهتمامه الذاتي بالتحصيل العلمي . فساعدته هذه الرغبة على النبوغ في دراسته، ولفتت إليه الأنظار . وكان إلى جانب ذلك قد إشتهر بالتقوى والصلاح ، والصبر على العبادة وقيام الليل،  والزهد والأمانة والترفع عن الصغائر . كذلك بدت خصلة الكرم والميل إلى التصدق وإنكار الذات وكأنّها فطرة متأصلة فيه . وأشتهر بها في علاقته بزملائه وأهالي المنطقة .... فأصبحت سكناته وحركاته ، وأفكاره وقناعاته مرصودة من جانب أساتذته وزملائه وعامة الأهالي في المنطقة. ونال من الإحترام والتقدير الكثير.
وبالطبع فقد كان من البديهي أن يترتب على نبوغه وشهرته وكاريزميته نشوء غيرة وحسد بعض أقرانه . ولكن حادثة دحره لثعبان النيل (شبيه الأناكوندا) في سنه المبكرة تلك جعلت الجميع يهابونه . حيث عدّها الناس كرامة ... ومن علامات الصلاح والقرب من الله عز وجل . خاصة وأنه شهدها جمع غفير من الحيران والأهالي.
وتتلخص تلك الحادثة أن المهدي ؛ وجمع غفير من زملائه إعتادوا إرتياد نهر النيل لغسل ملابسهم والإستحمام . وممارسة رياضة السباحة.
وكان من عادة الإمام المهدي أنه يحرص على عدم الكشف عن عورته أمام غيره .على العكس مما يفعل عامة الأطفال الصبيان في القرى والأرياف لحظة دخولهم الماء . حيث يتساهلون في هذا الأمر ويتخلون عن ملابسهم في طرف النهر. أو للتمكن من غسلها ونشرها على الأحجار .. وقضاء الوقت في السباحة إلى جفافها فيخرجون من الماء لإرتدائها.
وذات يوم بينما كان الجميع منهمك ما بين سباحة وغسل لملابسه ومزاح وصياح . إذا بثعبان ضخم يقترب منهم . وقد كانت المنطقة قد شهدت حوادث إبتلاع هذا الثعبان لبعض الأهالي والأغنام ..
كان لهذا الثعبان فحيح مزعج مخيف. فسارع معظمهم بالخروج عرايا كما ولدتهم أمهاتهم ، وأخذوا معهم في طريقهم كل الملابس بما فيها ملابس المهدي دون وعي أو قصد .. وبقي الإمام المهدي وحده في الماء وهو محرج ؛ كونه لم يتبقى على الضفة ملابس . فضلا عن أن يجد في تلك اللحظات من الذعر والترقب والإندهاشة في أصحابه من يقترب نحو الماء ، ويرمي له بسروال أو قرقاب  فيرتديه داخل الماء ويخرج.
وقبل أن بعض حساده من زملائه ، تداولوا من على البعد الغمزات واللمزات والضحكات قائلين بشماتة وتشفي :
-        الآن يخرج محمد أحمد عارياً مجبوراً ، ويفضح عورته أمامنا.    
 إقترب وحش البحر أكثر وأكثر من الإمام المهدي وفغر فاه . ولكن الجميع فوجئوا بالصبي (آنذاك) محمد أحمد وهو يرفع السبابة من يده اليمنى ويتمتم بكلمات وتلاوات ؛ والثعبان يدور حوله على هيئة دائرة كاملة . وقد إرتفع صوت فحيحه وأخذ يتلوى ويهيج الماء فوقه وتحته . وفي هذه الأثناء كان المهدي يدور معه وهو يشير بسبابته نحوه.
إستمرت هذه المحاورة فنرة ليست بالقصيرة . ولكنها كانت كافية لمشاهدتها ومراقبتها بعين اليقين من جانب كل اللذين كانوا حضوراً في المشهد الأحباب منهم والغيارَىَ والحُسّاد..
في النهاية هدأ الثعبان وغادر المكان واختفى . ولم يرجع لهذه المنطقة مرة أخرى نهائياً.
بعد أن هدأ الماء وإطمأن الجميع سارع إليه بعض أصدقائه . فرموا إليه بلقرقاب لفه حول وسطه ساتراً به عورته ، وخرج من الماء.
علامات ومقدمات التقوى والصلاح كانت بادية على سمت وأخلاق وقناعات وتصرفات ونزعات الإمام المهدي كافة ؛ سواء في علاقته بالله أو جديته في تحصيله العلمي .. أو تعامله مع خلق الله قاطبة من بشر وحيوان ونبات وحجر .... وكانت كلها مرصودة بطرفٍ خفي من جانب أقرانه وشيوخه ... ولكن حادثة دحر الثعبان وهو في هذه السن المبكرة أقامت الدنيا ولم تقعدها. ومن واقع حساسية أهل البلاد تجاه هذه الكرامات . فقد تناقلها الركبان والمترددون على  التكايا القادمون منهم والمغادرون. وإزدادت بها مكانته شأناً في نفوس أساتذته عامة ، وأستاذه محمد الخير خاصة . فكان لذلك شأنه فيما بعد حين سارع محمد الخير رحمه الله إلى التلبية مسارعاً بمبايعة تلميذه والدخول في سلك المهدية.

ولجهة تكوين فكره السياسي الوطني الرافض للإحتلال الخديوي المصري الأجنبي . فقد إنتهج المهدي خلال فترة تواجده بخلوة الشيخ محمد الخير تطبيق قناعة لم تكن مطروقة لدى أقرانه من تلاميذ الخلوة. ولم يكن يلتفت إليها المشايخ في عموم البلاد . وذلك حين إمتنع الإمام المهدي رغم صغر سنه آنذاك . إمتنع عن تناول الطعام المجاني الذي كانت تقدمه الخلوة للحيران . وكان تبريره لهذا الإمتناع أنه جراية من حكومة الإحتلال . وأن أموالها هي أموال ظلم وجور ؛ جبتها من ضرائب بمسميات شتى فرضتها على الفقراء والضعاف.
وعليه فقد إتجه الإمام المهدي إلى الإستعانة بالزوادة التي كانت أسرته ترسلها له من الخرطوم . والتي عادة ماتكون من تلك المأكولات السودانية صنيعة البيئة المحلية وصديقتها. وهي الذرة والقمح واللحم المجفف (الشرموط) والويكة ، والتمر ... وبعض الدهن المجفف (الربيت) أو الودك....
وعندما كانت هذه الزوادة تنفذ منه على قدر ما أوتي من كرم وأريحية في إشراك غيره من الزملاء والفقراء طعامه . فإنه كان يلجأ إلى صيد الأسماك ، وممارسة مهنته المتوارثة في جمع الحطب والأخشاب للوقود أونجارتها وبيعها في السوق .
ومن الروايات المتواترة عنه أن التجار والأفراد كانوا يتسابقون ويتزاحمون على ما يأتي به يحمله على عاتقه من الحطب أو السمك ليبتاعونه منه ، بسبب ما قيل عن تفاؤلهم ببركة بضاعته هذه. ولعدم مغالاته في أسعارها رغم جودتها.
بثمن هذا الحطب كان المهدي يأكل القليل الذي يسد الرمق ...  ويتصدق بالمتبقي على الفقراء والمساكين في الأسواق وزملائه في الخلوة.

والطريف أن الرئيس الهندي نهرو كان قد تحدث مع الزعيم إسماعيل الأزهري رحمه الله خلال مؤتمر باندونغ (أبريل 1955) عن سيرة الإمام المهدي . وأخبره أن أستاذه وأباه الروحي "المهاتما غاندي" قد تأثر بمهدي السودان . وإستلهم من سيرته مسلكه الوطني بمقاطعة منتجات المحتل . والإكتفاء بمنتجات الهند وحدها في ملبسه ومأكله ومشربه وحله وترحاله. فأصبحت هذه السياسة النضالية المعنوية من أبرز وجوه مقاومة الشعب الهندي للإحتلال البريطاني. وأحدثت صدى عالمي واسع النطاق.
   
عام 1861م أكمل الإمام المهدي منهج الشيخ محمد الخير العلمي . وكان عمره آنذاك 18 عام.

...... ولكن ؛ قبل مغادرة خلاوي الغبش في نواحي بربر . فإنه يلزمنا التوقف للحديث عن الخلوة السودانية بوصفها قد كانت ركيزة من الركائز الأساسية في قيادة مسيرة الثورة المهدية .

دون حاجة إلى إرهاق العقل . فإن المنطق يقول أن نشأة الخلوة السودانية قد تزامنت مع دخول المسلمين البلاد على عهد خلافة ذو النورين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ... وكان القائد عبد الله بن سعد بن ابي السرح، قد توجه نحو السودان بحملته الأولى عاميّ 20 ــ 21هـ /641م .. وكانت الثانية ما بين عامي 30 ــ 31هـ /651م.
واختلف المؤرخومن في أسباب حملات إبن أبي السرح هذه ... وهل كانت لأجل الفتح الإسلامي أم وضع حد لتهديدات النوبة لجنوب مصر ....؟
وأغلب الظن أنها كانت في البداية غزوات (أمنية) هدفها وضع حد لتهديدات النوبة إستقرار الأمن في جنوب مصر.
واقع الأمر لم يتمكن عبد الله إبن أبي السرح من فرض سطوته على شعب النوبة .. فكان أن تفتق عقله عن خطة بعيدة المدى تتلخص في الدمج الإجتماعي الإثني بالتزاوج والمصاهرة ما بين العرب والمسلمين عامة مع قبائل النوبة .. وهو ما أتى أكله وحقق أغراضه شيئاً فشيئاً لجهة أسلمة وتعريب شمال ووسط السودان على النحو الذي لا يزال ماثلاً حتى تاريخه.
وأعقب ذلك إندياح عربي إسلامي إستوطن أطراف السودان الحالية في الشرق والغرب وأجزاء من الدول المجاورة في تشاد وأفريقيا الوسطى وأرتريا وأثيوبيا ... ووصل جنوباً حتى الحدود الشمالية لدولة جنوب السودان.

(يتبع حلقة 3 بإذن الله)

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

متسولة حبشية (مليونيرة) في شوارع الخرطوم



متسولة حبشية (مليونيرة) في شوارع الخرطوم
مصعب المشرّف
5 أكتوبر 2016م
واقعة سرقة لصوص لثروة متسولة أجنبية (حبشية) هزت أركان المجتمع السوداني ؛ بسبب ما تم الإفصاح عن حجم هذه الثروة التي تمتلكها هذه المتسولة. خاصة ما تمتلكه من عملات أجنبية أعيدت إليها وفوقها بوسة ؛ في الوقت الذي سبق وأن تم إعدام مواطن سوداني بسبب ضبطه يحمل حقيبة بها عملات أجنبية وهو في طريقه لإيداعها البنك.

لا بل ونستغرب أن تطارد سلطات الولايات المواطنات  بائعات الشاي اللواتي تعففن بهذه المهنة المشروعة عن السؤال أو الإنحراف . ولأجل التمكن من تربية أبنائهن اليتامى بشرف ونزاهة .. ثم تسكت هذه السلطات عن مساءلة وملاحقة متسولات أجنبيات في كافة شوارع البلاد الرئيسية.

الذي رشح من داخل جدران مركز الشرطة ؛ أن المبلغ المسروق قد جاءت تفاصيله على النحو الآتي:
148 مليون جنيه  سودانيً .... 600 دولار أمريكي .... حوالي 600 ريال قطري .. 400 درهم أماراتي ... وكمية من المشغولات والحلى الذهبية بقيمة 80 مليون جنبه.

والطريف أن المتسولة الحبشية قد سارعت بفتح بلاغ دون أن يرمش لها جفن. أو تظن أنها بذلك تفضح جريمتها هي أيضا وتعرض نفسها للمساءلة.
ولكن يبدو أنها أدرى بما يدور حولها . وأنها تلقت تطمينات مقنعة من عناصر نافذة.

واليوم فإن المفترض التحفظ على هذه الثروة التي تكشفت لدى الحبشية ؛ لأن التسول مهنة غير مشروعة في البلاد . ثم إن هذه المتسولة أجنبية ولا تحمل ترخيصا بالعمل.
ثم المتوقع بداهة أن يكون الإجراء التالي هو توقيفها ؛ وتقديمها إلى العدالة بما يكفل الحكم عليها بمغادرة البلاد نهائياً دون عودة.
هكذا تتعامل الحكومات التي تحترم نفسها وتراب أرضها ومواطنيها تجاه كل أجنبي يتجرأ على خرق قوانين البلاد .... ونحن الحمد لله نحسب أننا نعيش في ظل حكومة وليس عصابة أو مافيا.

لو كانت هذه المتسولة قد تم ضبطها على هذا النحو في دول عربية أخرى لاقامت الصحافة فيها الدنيا ولم تقعدها ... ولكان قد تم توقيفها ومحاكمتها وفق قوانين العمل الصارمة التي تمنع الأجنبي من ممارسة أية مهنة غير التي نص عليها في بطاقة اقامته. كما لا يحق له العمل لغير مصلحة كفيله.
وفي الأصل فإنه لا توجد دولة في العالم غير السودان تسمح للأجانب بممارسة مهنة التسول داخل أراضيها.
ننتظر إذن تحويل حالة الحبشية هذه إلى النيابة العامة والتحقيق معها في أكثر من تهمة. ليس أقلها الأضرار باقتصاد البلاد لعدم تبليغها عن احتفاظها بعملات اجنبية .

غريب عيون سرحان على الأرض الغريبة وبسأل الشوق عن وطن

من جانب آخر نستغرب كيف نشطت الشرطة واستطاعت القبض على اللص في خلال 4 ساعات فقط لأجل خاطر عيون هذه الحبشية... أو كأنها مبعوثة دبلوماسية رفيعة المستوى وليست متسللة متسولة.

ترى من هو ذلك الرجل القوي الذي يتلقى منها الأتاوة نظير وقوفه إلى جانبها وجانب الآلاف مثيلاتها المتسكعات في شوارع وأزقة العاصمة ؟

هناك اليوم مئات الآلاف من المتسكعات الحبشيات ينعمن بالحماية والملاذ الأمن على نحو يحسده عليهن المواطن وأعضاء البعثات الأممية الإغاثية.

سبحان الله ؛ تتهم وزارة المالية والأجهزة الأمنية المواطن المغترب بتسريب الدولار إلى السوق الاسود ؛ وتطارده في بيته والشوارع ؛ وتعصره عند كل تأشيرة خروج وقبيل الدخول إلى صالات المغادرة . ثم تسكت عن مساءلة متسولة حبشية. تتكسب الملايين من العملة السودانية وآلاف من العملات الأجنبية دون أن تدفع مقابل ذلك ضريبة أو زكاة حتى.

نحن بالفعل نعيش الكارثة بكل جوانبها المادية والنفسية.
قبل فترة تفاءل المواطنون ، وتوقعوا خيراً على وقع تعميم الرقم الوطني الذي يكفل للمواطن حقوقه الأساسية على تراب بلاده ....
ولكن يبدو أن المسألة ليست في إلإكتفاء بإستخراج هذا الرقم الوطني بقدر ما أنها تتوقف على مدى قناعة الأجهزة الحكومية جميعها بما يمكن أن يحققه هذا الرقم الوطني من غايات منشودة ؛  ليس أقلها محاربة ظاهرة التسلل والتواجد والتسكع الأجنبي الأفريقي خاصة في شوارع البلاد.

أخشى أن التراخي الملحوظ تجاه التواجد المدني الأجنبي داخل السودان اليوم إنما الهدف منه الضغط على الإتحاد الأوروبي بورقة الهجرة الأفريقية الغير شرعية إلى سواحل القارة الأوروبية .. وعلى وهم بأن تمنح هذه الورقة فرصة للمساومة على فك طوق الحصار الإقتصادي ومذكرات جلب صادرة من محكمة الجنايات الدولية.
لقد سبقهم الرئيس اللبي السابق معمر القذافي إلى إستخدام هذه الورقة ولكنه لم يجد أذنا صاغية .

واقع الأمر فإن جميع ما تفكر فيه الحكومة السودانية ليس بمنطقي ولا مثمر ..... فالفيل هو الولايات المتحدة الأمريكية ... وظل هذا الفيل هو الآخر ليس في أوروبا الغربية.

إذا كان موظفوا الخارجية السودانية يظنون أنهم يستطيعون الضغط على الولايات المتحدة عبر الإتحاد الأوروبي فهم واهمون.

واشنطون لايهمها شيء من الهجرة الغير شرعية نحو أوروبا لسبب بسيط هو أن هذه القوارب التي تحمل المهاجرين من أفريقيا لا ترسو أو ترمي حمولتها البشرية قبالة سواحل الولايات المتحدة الأمريكية.

والولايات المتحدة الأمريكية عندما تشارك بمندوبين في إحتماعات دولية للحد من ظاهرة الهجرة الغير شرعية والإتجار بالبشر . فإنها لا تأتي في حقائبها وضمن وثائقها سوى بأرقام حالات تسلل مواطني المكسيك وكوبا وبعض دول أمريكا اللاتينية إلى أراضيها.

ولأجل ذلك تساهم الولايات المتحدة شفاهة وتدعم مالياً مساعي الأمم المتحدة في الجهود للحد من تنامي ظاهرة الإتجار بالبشر والهجرات الغير شرعية .... ولكن أن تظن السياسة السودانية أنها تمتلك كروت ضغط على هذه الشاكلة في طاولة مفاوضات مع واشنطون ؛ فإننا نقول لهؤلاء "إن بعض الظن إثم". 

مصعب المشرّف
5 اكتوبر 2016م

الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

أول وأقدم صور فوتوغرافية لآثار مصرية

أول وأقدم صور فوتوغرافية لآثار مصرية


مصعب المشرّف
29 أوغست 2016م

إجتهد الرسامون منذ القدم في رسم العديد من الآثار المصرية .... ولكن لا تزال تلك الرسومات بعيدة عن الواقع الفوتوغرافي الموثق بمصداقية عدسات الآلة الصماء ؛ في حين أنه وعند الرسم بريشة الإنسان تساهم وجهة نظر الرسام الشخصية ؛ ومزاجه وإنطباعاته وإنفعالاته الزمانية والمكانية في إبداعه الفني .

تم التقاط هذه الصور الفوتوغرافية لأثار فرعونية وإسلامية مصرية شهيرة خلال الفترة ما بين عامي 1849 و 1851م في بدايات إختراع الكاميرا الفوتوغرافية الخشبية . وتم تحميض الأفلام في مواقع التصوير بإستخدام جرادل من الأحماض .

التقط هذه الصور شخص فرنسي يدعى "مكسيم دو كامب". وهو إبن جراح ثري جاء إلى مصر رافقه الكاتب "جوستاف قلوبرت" .

بمضي الزمن آلت ملكية هذه الصور إلى شخص من جنوب أفيقيا . .. وقد بلغ عدد الصور التي التقطها مكسيم 59 صورة . ومن المتوقع عرض الصور للبيع في مزاد علني عالمي قريباً ..... وقد وضع مشرفوا المزاد مبلغ 25,000 دولار كحد أدنى لفتح المزاد .. وبالطبع فإن المواقع أن يزيد السعر كثيرا عن هذا الحد الأدنى.

وفي الوقت الذي يقف فيه الخبر عند هذا الحد من الأهمية لدى الصحافة الغربية .. فإن الذي ينبغي أن يلفت إهتمامنا هو مدى الجهد الذي بذله الزعيم المصري الراحل "جمال عبد الناصر" في إصلاح وإعادة تأهيل البنية الأساسية لهذه المواقع الأثرية . والعمل على ترميمها بمساعدة وتمويل مصري عالمي ؛ لاسيما من منظمة اليونسكو والعديد من جمعيات حماية الآثار العالمية.

كذلك فقد قاد جمال عبد الناصر حملة عالمية بعنوان (أنقذوا آثار النوبة) . أفلح جراءها في نقل معظم الآثار المصرية من مواقعها القديمة إلى مواقع جديدة ؛ لدرء تعرضها إلى الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي ، التي كانت تسمى في الماضي (بحيرة ناصر).
  

الأهرامات وأبو الهول قبل 170 عام .. الإهمال واضح

معبد أبو سمبل قبل نقله من مكانه وترميمه قبيل بناء السد العالي

جبانة رمسيس الثاني 


معبد الكرنك (بناه رمسيس الثالث) في طيبة (الأقصر حاليا)

 مسجد قاني باي


مسجد السلطان حسين (من عصر المماليك) في القاهرة

معبد إيزيس قبل نقله تجنبا لإحتمال غرقه بعد إكتمال بناء السد العالي

مسجد بلال بن رباح

افريز معبد \ندرا – جنوب مصر جوار مدينة قنا الحالية في الصعيد